منشورات جديدة

مفهوم التسبيح وأسراره

ما معنى التسبيح من خلال القرآن

التسبيح في القرآن يشير إلى تمجيد الله وتنزيهه عن كل نقص وعيب. المعنى الأساسي للتسبيح هو الاعتراف بكمال الله وعظمته، والتأكيد على أنه خالٍ من أي عيب أو نقص.

مفهوم التسبيح وأسراره

في القرآن، يُستخدم التسبيح في عدة سياقات، منها:
كيف نسبح الله؟ 

👈تمجيد الله من قبل المخلوقات: في عدة آيات، يُذكر أن السماوات والأرض وكل ما فيهما يسبحون الله، بمعنى أنهم يدلّون على عظمته وكماله بشكل دائم.

👈التسبيح كعبادة: يُحث المؤمنون على تسبيح الله كجزء من عبادتهم اليومية. هذا يشمل ذكر الله وتنزيهه في الصلوات وغيرها من الأوقات. وهذه الطقوس المتداولة ليست قطعية هي فقط اجتهادات.

👈التسبيح في الطبيعة: الإشارة إلى أن كل شيء في الكون يسبح بحمد الله، وهذا يُفهم على أنه إقرار بتناسق النظام الكوني وعظمته، مما يعكس قدرة الله.

التسبيح، بهذا المعنى، هو تعبير عن الوعي والإدراك لعظمة الله وكماله، واعتراف من المخلوقات بقدرة الله المطلقة وتنزهه عن كل نقص.

يمكننا تسبيح الله بعدة طرق، وكلها تعبر عن تمجيد الله وتنزيهه عن كل نقص، وتذكره بشكل مستمر. فيما يلي بعض الطرق الأساسية لتسبيح الله:

الذكر اللفظي او التسبيح الشائع عند المسلمين:

👈يمكنك التسبيح بقول: "سبحان الله" أو "سبحان الله وبحمده" أو "سبحان الله العظيم".

من الأذكار الشائعة التي يمكن تكرارها:

"سبحان الله" (100 مرة أو أكثر).

"سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم".

"سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر".

التسبيح في الصلاة:

👈يمكنك التسبيح في ركوعك وسجودك بقول: "سبحان ربي العظيم" و"سبحان ربي الأعلى".

في نهاية الصلاة، يفضل التسبيح باستخدام "التسبيح الثلاثي" بعد كل صلاة: "سبحان الله" 33 مرة، "الحمد لله" 33 مرة، و"الله أكبر" 34 مرة.

ولكن التسبيح ليس بالعدد، او بتكرار كلمات دون شعور داخلي قوي. لذا فهذا النوع من التسبيح يقوم به المسلمين باستمرار ولكن لا تبدوا عليهم نتائجه في حياتهم.

👈التسبيح بالعمل:

يمكنك تسبيح الله من خلال أفعالك اليومية، كأن تجعل أعمالك خالصة لوجه الله.

الاهتمام بالتفكر في خلق الله والطبيعة، والإقرار بعظمته وقدرته من خلال ما ترى من جمال وإبداع في الكون. تجعل الله نصب عينيك في كل صغيرة وكبيرة، وأن تتقبل كل ما يحصل لك من خير وشر والتسليم لله.

قال تعالى 

وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ  وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ  وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ

صدق الله العظيم 

بمعنى الرضوخ لقوانين الكون وإرادة الله دون تمرد. وهذه منزلة لا يصل إليها إلا الصالحون أو أصحاب النفس المطمئنة وذو الدرجات الرفيعة.

كما قال تعالى

يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)

صدق الله العظيم 

بمعنى يصل إلى أعلى الدرجات من العلا والراحة النفسية. بحيث تكون أفعاله كلها خالصة لوجه الله.

👈التسبيح القلبي:

هو لا ينفصل عن التسبيح العملي. فالتسبيح العملي يحتاج إلى تسبيح قلبي مسبق. بحيث التأمل في كمال الله وتنزيهه عن كل نقص في قلبك، والشعور بعظمة الله في كل شيء من حولك.

المحافظة على نية صافية وخالصة لله في كل عمل تقوم به.

التسبيح هو تذكر دائم لله وشكر لعظمته، ويمكنك دمجه في حياتك اليومية بشكل مستمر سواء من خلال الذكر أو التفكير أو العمل الصالح.

والآن سنتطرق إلى مجموعة من الآيات التي جاء فيها التسبيح وسنحاول تقريب الصورة.

في هذه الآية يقول الله

وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا

في هذه الآيات من سورة طه، يطلب النبي موسى (عليه السلام) من الله أن يجعل له وزيرًا من أهله، وهو أخوه هارون، لكي يعينه في مهمته الصعبة في مواجهة فرعون. يوضح موسى سبب طلبه هذا، وهو أنه يريد أن يشد الله به أزره (أي يقوي به ظهره) ويشركه في أمره، وهذا الشراكة من شأنها أن تمكنهم من تسبيح الله كثيرًا وذكره كثيرًا.

من خلال سياق الآية، التسبيح هنا يمكن فهمه كالتالي:

👈التسبيح كتمجيد وتنزيه: موسى يطلب من الله أن يشرك هارون معه في المهمة لكي يتعاونا في تسبيح الله وتمجيده بشكل دائم. وخصوصا انهم مقدمون على عمل جسيم. التسبيح هنا سيساعدهما لشد ازر بعضهما البعض للتغلب على الصعاب التي سيواجهونها.

👈التسبيح كعمل جماعي: من خلال طلب موسى إشراك هارون في مهمته، التسبيح يصبح عملاً جماعيًا، حيث يدرك موسى أهمية التعاون والتكامل في أداء الرسالة التي كلف بها، مما يؤدي إلى تمجيد الله بشكل أعمق وأكثر استمرارية. ويعطي قوة في رسالتهما. وهو تسليم منهم والإمتثال التام لأوامر بالذهاب إلى فرعون. 

👈التسبيح من خلال القيام بالمهمة: بما أن موسى وهارون عليهما مسؤولية كبيرة تتعلق بدعوة فرعون وقومه إلى الله، فإن تسبيحهما يتم أيضًا من خلال قيامهما بهذه المهمة الصعبة، حيث يعكسان عظمة الله من خلال رسالتهما ودعوتهما إلى التوحيد. يعني إقناع فرعون بالتخلي عن جبروته والإمتثال لأوامر الله، وهذا ليس بالأمر الهين.

بالتالي، التسبيح هنا لا يقتصر فقط على الذكر اللفظي، بل يتضمن أيضًا القيام بالعمل الصالح والدعوة إلى الله بشكل مشترك. الفعل ذاته (مواجهة الظلم، الدعوة إلى الحق، تحمل المسؤولية) هو جزء من تسبيح الله وتمجيده.

إذن، "نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا" في سياق هذه الآية يمكن أن يفهم على أنه تمجيد لله بشكل مستمر من خلال الذكر والعمل الصالح، والعمل على تحقيق رسالته في الأرض.

في أغلب الأحيان المعنى واحد ولكن يتغير التعظيم لله ولقوانينه على حسب السياق.

في هذه الآية 

قال تعالى 

 سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى

صدق الله العظيم 

التسبيح هنا هو الاعتراف بأن الله هو الأعلى والأعظم، وأنه يستحق التعظيم والتنزيه عن كل شيء يتعارض مع صفاته الكمالية. فالتسبيح لا يتعلق فقط بالذكر اللفظي، بل أيضًا بالتأمل والتفكر في عظمة الله وتفرده، ومن ثم تنزيهه في القلب واللسان والعمل عن كل ما لا يليق بجلاله وكما

وفي هذا الموضع كمثال 

قال تعالى 

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً  قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ 

صدق الله العظيم 

في الآية "وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ" يأتي معنى التسبيح بعيداً عن التفسيرات التراثية التقليدية في سياق تقديس وتعظيم الله وتنزيهه عن كل نقص، أي أن الملائكة يعبرون عن أنهم يمجدون الله ويعظمونه بشكل دائم، معترفين بكماله وبراءته من أي نقص أو عيب. 

والعبارة "بِحَمْدِكَ" تشير إلى أنهم يمجدون الله ويعظمونه بفضل الله ونعمه، أو أثناء حمدهم له على ما أنعم به عليهم.

بالتالي، التسبيح هنا يعكس حالة من الوعي المستمر بعظمة الله وكماله، وتصرف الملائكة هو إيمان ليس غيبي كما هو حالنا. بل هم يرون عظمة الله مجسدة امامهم. وهم جنود مجندة لأوامره.

وهذه آية أخرى عن التسبيح 

قال تعالى 

قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً  قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا  وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ 

صدق الله العظيم 

في الآية "وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ"، يمكن فهم التسبيح هنا على أنه ممارسة تأملية تهدف إلى تمجيد الله في أوقات معينة من اليوم. وهي بالعشي والإبكار. وإذا لاحظنا فإن هذا التسبيح في أوقات الصلاة (طرفي النهار). وقد تطرقنا إلى هذا الموضوع سابقا، وتستطيعون مراجعته.

وهذا هو القصد من الآية التي تقول إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا، يعني مهم جدا احترام اوقات الصلاة والتي هي طرفي النهار، وليس خمس مرات كما هو شائع. وقد امره الله ان لا يكلم الناس ثلاثة أيام مع التسبيح في العشي والإبكار. وهذا في حد ذاته موضوع جد مهم سنتطرق إليه لاحقا. ولماذا كانت آيته أن لا يكلم الناس ثلاثة أيام. لذا التسبيح هو من شروط إكتمال الآية، حتى نعلم جيدا أهميته. 

وفي هذه الآية 

قال تعالى 

"وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ"،

صدق الله العظيم 

يمكن فهم التسبيح بشكل أوسع يشمل الطبيعة والكائنات الحية. 

"وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ" يشير إلى أن صوت الرعد، الذي هو ظاهرة طبيعية، يُنظر إليه كتعبير عن تمجيد الله وتقديسه. هذا الفهم يوحي بأن كل عناصر الطبيعة تعكس عظمة الله وجلاله بطريقة أو بأخرى، وأن الرعد بصوته القوي يمثل نوعاً من التسبيح أو التمجيد لعظمة الخالق. فهو إمتثال لقوانين الكون التي خلقها الله.

"وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ" تعني أن الملائكة تسَبِّح الله كذلك، لكن مدفوعةً بخوفها وخشيتها منه. هنا التسبيح يعكس وعي الملائكة بقدرة الله وجبروته، مما يدفعهم إلى تمجيده وتعظيمه. كما ذكرت سابقا.

بالمجمل، هذه الآية تشير إلى أن كل شيء في الكون، سواء أكان ظاهرة طبيعية مثل الرعد أو كائنات حية مثل الملائكة، يمجد الله بطريقة ما، وأن هذه التمجيدات تعكس عظمة الله وجلاله في الكون كله.

في هذه الآية قال تعالى 

"فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ"، التسبيح يأتي بمعنى التمجيد والتنزيه، مقرونًا بالحمد، مما يعني الاعتراف بكمال الله وتمجيده مع الشكر على نعمه.

"فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ" هنا توجيه للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بتمجيد الله وتنزيهه عن أي نقص مع شكره وحمده. بمعنى آخر، أن يقوم بذكر الله والثناء عليه، مع الاعتراف بفضله ونعمه.

"وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ" يشير إلى السجود كرمز للخضوع والتواضع أمام عظمة الله. السجود هنا يعكس أعمق أشكال العبودية والتذلل، حيث يكون الجسد في أدنى حالاته أمام الله، مما يدل على أقصى درجات الإخلاص والخضوع لله.

في هذا السياق، التسبيح والحمد والسجود يشكلون معاً نهجاً شاملاً للعبادة، يجمع بين التأمل العقلي (التسبيح)، والشكر القلبي (الحمد)، والخضوع الجسدي (السجود).

وفي هذه الآية قال تعالى

 "تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ  وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ  إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا"، تُعبِّر الآية عن مفهوم شامل للتسبيح يشمل كل الكائنات والمخلوقات في الكون.

"تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ" تعني أن كل ما في السماوات والأرض، بما في ذلك المخلوقات الحية والجمادات، يمجد الله ويعظمه. التسبيح هنا هو نوع من التعبير عن الاعتراف بعظمة الله، سواء كان ذلك بوعي (كما هو الحال مع الكائنات العاقلة) أو بطبيعة خلقها (كما في حالة الجمادات والكائنات غير العاقلة).

"وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ" تشير إلى أن كل شيء في الوجود، مهما كان نوعه أو طبيعته، يقوم بتسبيح الله وتمجيده. هذا التسبيح قد يكون بشكل لا يدركه البشر، ولكنه مع ذلك موجود ويعكس كمال الله.

"وَلَـٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ" تعني أن البشر لا يستطيعون فهم أو إدراك كيفية تسبيح هذه المخلوقات لله. قد يكون ذلك لأن التسبيح لا يتم بنفس الطريقة التي يقوم بها البشر، أو لأن البشر غير قادرين على استيعاب كل أوجه التسبيح في الطبيعة.

"إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا" تختتم الآية ببيان صفات الله بالحلم والمغفرة، مما يعكس قدرته على الصبر والتجاوز عن أخطاء البشر، بالرغم من عدم قدرتهم على فهم تسبيح المخلوقات الأخرى.

بشكل عام، الآية تؤكد على أن الكون كله، بما فيه من مخلوقات وظواهر طبيعية، في حالة مستمرة من التسبيح لله، ولكن البشر غير قادرين على إدراك هذا التسبيح بشكل كامل.

تسبيح المخلوقات الذي لا ندركه يمكن أن يكون متنوعًا ومعقدًا، ويتجاوز الفهم البشري العادي. هناك عدة طرق يمكن تصورها لفهم هذا التسبيح:

1. التسبيح الطبيعي: يمكن أن يكون التسبيح ببساطة تعبيرًا عن نظام الكون وانسجامه، حيث أن كل شيء في الوجود يسير وفق قوانين الله ونظامه. الحركة المستمرة للكواكب، نمو النباتات، تدفق المياه، حتى العمليات الدقيقة على المستوى الخلوي كلها تمثل أشكالاً من التسبيح. هي تعبير عن الخضوع لأمر الله وامتثالًا لإرادته.

2. التسبيح بوجودهم وطبيعتهم: كل مخلوق أو كائن في الكون يمجد الله بوجوده نفسه، لأنه يعكس قدرة الله على الخلق والكمال. مجرد وجود كائن ما بما فيه من تعقيد أو بساطة قد يكون تسبيحًا؛ كالشجرة التي تنمو وتثمر، أو النجوم التي تضيء السماء.

3. التسبيح بوسائل غير مفهومة للبشر: قد يكون هناك تسبيح يتم بوسائل لا نفهمها نحن البشر، مثل أصوات أو ذبذبات أو طاقات لا نمتلك القدرة على رصدها أو تفسيرها. ربما تكون هناك أنواع من التسبيح تتجاوز الحواس البشرية وقدراتها على الإدراك.

4. التسبيح في النية والقصد: قد يكون بعض التسبيح متجذرًا في نية الكائنات الأخرى. مثلًا، الحيوانات التي تعيش حياتها في إطار الدور الذي خلقت من أجله، دون وعي بشري، قد تكون تمارس نوعًا من التسبيح الخالص الذي لا يشوبه وعي أو رياء.

5. التسبيح بالصمت: في بعض الحالات، قد يكون الصمت نفسه تسبيحًا. السكون الموجود في الطبيعة، أو الهدوء العميق في بعض الأماكن، قد يكونان أشكالًا من التعبير عن تمجيد الله بطريقة لا تحتاج إلى صوت أو حركة.

هذا التسبيح الذي لا ندركه يشير إلى أن الحياة والوجود في الكون هي مظاهر مستمرة لحضور الله وقدرته، وكل جزء من أجزاء الكون، مهما بدا صغيرًا أو غير مهم، يسهم في هذا التسبيح الشامل بطريقة ما.

وفي هذه الآية قال تعالى 

"فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا  وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ"، 

صدق الله العظيم 

المعنى هو دعوة إلى الصبر على ما يواجهه الإنسان من معارضة أو صعوبات، مع التأكيد على أهمية ذكر الله وتسبيحه في أوقات محددة من اليوم. 

شرح المعنى:

1. الصبر على المعارضات: "فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ" يشير إلى ضرورة التحلي بالصبر في مواجهة ما يقوله الناس من نقد أو معارضة أو صعوبات. هذه دعوة للاستمرار في الالتزام بالدعوة إلى الله رغم المعوقات.

2. التسبيح وحمد الله: "وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا" تدل على أهمية تسبيح الله وحمده في الأوقات المحددة من اليوم، وهما قبل الفجر، وقبل غروب الشمس. تسبيح الله في هذين الوقتين يُعتبر نوعًا من العبادة والاتصال الدائم بالله. لأنهم أوقات الصلاة التي ذكرت في القرآن بطرفي النهار.

3. التسبيح في أوقات مختلفة: "وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ"، نجد ان هناك آيات تحث على العبادة والتقرب في الليل. ورغم ان النهار للعمل إلا ان الله يحثنا على التسبيح والتقرب إلى الله من خلال عملك. بحيث ان تراعي رضا الله في كل ما تفعل.

قال تعالى 

 إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا

صدق الله العظيم 

4. تحقيق الرضا: "لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ" تشير إلى أن هذا التسبيح والعبادة يمكن أن يكونا سببًا في تحقيق الرضا الداخلي والطمأنينة، حيث يترتب على تكرار ذكر الله والتمسك بالعبادة راحة نفسية ورضا عن النفس.

بإجمال، الآية تدعو إلى الصبر والاستمرار في عبادة الله والتسبيح له في أوقات متعددة، كوسيلة للتقرب إلى الله والحصول على الرضا والطمأنينة في مواجهة الصعوبات والتحديات.

وفي هذه  الآية قال تعالى 

"فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ  وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا  وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ  وَكُنَّا فَاعِلِينَ"

صدق الله العظيم 

تتحدث عن نعم الله على نبييه داود وسليمان.

شرح المعنى:

1. تفهم سليمان: "فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ" تعني أن الله منح النبي سليمان (عليه السلام) القدرة على فهم المسائل والقضايا التي كانت صعبة على غيره. هذا يشير إلى حكمة الله وعلمه الواسع الذي أودع في سليمان.

2. الحكم والعلم: "وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا" يعني أن الله منح كل من داود وسليمان حكمًا وعلمًا، حيث كان لكل منهما القدرة على الفصل بين الأمور والحكم بالعدل مع امتلاك العلم والمعرفة اللازمة للسيطرة والتحكم في أشياء كثيرة سخرت لهم.

3. تسخير الجبال والطير: "وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ" تشير إلى أن الله جعل الجبال والطير تسير وفق إرادتهما مع داود، بحيث كانا يُسبِّحان ويعظمان الله بشكل مستمر. هذا تسخير للطبيعة لتكون خادمة لداود وتعبر عن تمجيد الله. يعني أعطاهم الله بعض أسرار الطبيعة والتحكم فيها. 

4. كُنَّا فَاعِلِينَ: هذه العبارة تؤكد أن الله هو الفاعل الحقيقي وراء كل هذه الأمور. الله هو الذي خَلق وسَخَّر وأعطى الحكم والعلم، مما يدل على قوته وقدرته.

بإجمال، الآية تعكس كيفية تفضيل الله لنبيه داود وسليمان بالعطاء الإلهي من الحكم والعلم، وكذلك تسخير الكائنات الطبيعية لتكون في خدمتهم وتعظيم الله، مما يعكس قدرة الله على التحكم في كل شيء وإعطاء النعم لمن يشاء.

في هذه الآية قال تعالى "إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ"، 

صدق الله العظيم 

تتحدث عن خصائص المؤمنين الحقيقيين وكيفية استجابتهم لآيات الله.

شرح المعنى:

1. الإيمان بالآيات: "إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا" تعني أن الإيمان الحقيقي بآيات الله يقتصر على أولئك الذين يظهرون استجابة حقيقية لتلك الآيات.

2. الاستجابة بالتواضع والعبادة: "الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا" تعني أن المؤمنين، عندما يُذكرون بآيات الله، يتواضعون ويعبرون عن عبادتهم له من خلال السجود، وهو تعبير عن الخضوع الكامل والإجلال لله. والمقصود كل ما في الكون هو آية من آيات الله ودليل على وجوده. والذين قلوبهم مليئة بالإيمان يتفاعلون مع كل الآيات المحيطة بهم فتزيدهم إيمانا وخشوعا.

3. التسبيح والحمد: "وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ" يشير إلى أن هؤلاء المؤمنين لا يقتصرون على السجود فقط، بل يضيفون إليه التسبيح والحمد لله، مما يعكس قلوبهم المخلصة والممتلئة بالتقدير والعرفان.

4. الابتعاد عن الاستكبار: "وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ" تعني أن المؤمنين الحقيقيين لا يتعالىون أو يتكبرون عن قبول الآيات والاعتراف بها، بل يتسمون بالتواضع والقبول.

بإجمال، الآية تُبيّن أن الإيمان الحقيقي بآيات الله يتجلى في استجابة المتواضعين بالطاعة والتسبيح، والابتعاد عن الاستكبار أو التعالي. هؤلاء المؤمنون يظهرون إخلاصهم واعترافهم بعظمة الله من خلال تواضعهم وإخلاصهم في العبادة.

وهذه الآية تأكد السابقة 

قال تعالى 

"إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا"

صدق الله العظيم

السجود في هذا السياق يعني الانحناء والخضوع لله في صورة فعلية، وهو أحد أركان العبادة في الإسلام ويعبر عن الخضوع التام والتواضع لله. يشير إلى استجابة المؤمنين لآيات الله بإظهار التواضع والتقوى، حيث يعبّر السجود الجسدي عن حالة من الاستسلام الكامل والعرفان بعظمة الله.

خلاصة القول يجب ان يكون التسبيح لقوانين الكون والرضا بما فرض الله والحمد والشكر والسجود. يعني التقبل وذلك هو أعلى الدرجات، هناك من يصابون بأزمات ومحن، فتجدهم صابرين وراضين ويحاولون تصحيح اخطائهم. وقابلين للتغير وتطوير أنفسهم. فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم. ولا يتمردون على الأوضاع بالسب والغضب لما أصابهم، بل يلتجأون إلى الله في السراء والضراء. تجد الله في قلوبهم أينما حلوا أو إرتحلوا. فتطمئن نفوسهم وينزل الله سكينته عليهم، وتلك اعظم الدرجات. التقبل والتسبيح بقوانين الكون. والتسليم ان كل ما أصابك وأنت متكل على الله هو خير لك.

حتى الكائنات تلتزم بذلك وبالفطرة. ترى العصفور في القفص وهو متعايش مع وضعه رغم ان مكانه الحقيقي ليس في القفص، او كمثال الحيوانات في السيرك رغم طبعها المتحوش فإنها تتروض. وهناك تسبيحات أخرى لا ندركها ولكنها قائمة. فكل ما في الكون يسبح بحمده.

أما الإنسان فكرمه الله بالعقل، واحاط به كل هذه الآيات والنظم حتى يسبح عن طريق عقله. بحيث يتقبلها عن فهم ووعي. والذي سيصل إلى تلك الدرجة سيكون ذو حظ عظيم. وأن تكون على يقين ان فرج الله سينالك ما دمت متكل عليه، بالطبع مع العمل وان تحاول دائما ان تتغير وتطور من نفسك. فلا يتأتى ذلك إلا بالعمل،

قال تعالى 

إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ  إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا 

صدق الله العظيم 

فحتى الرسول كان يرى ما وصل إليه لاحقا صعب المنال. لذا بعد ان رأى الناس تدخل في دين الله افواجا، امره الله بأن يسبح بحمده وان يستغفره. لذا يجب أن نحسن الظن بالله وبكل ما يصيبنا ما دمنا متكلين عليه. فإن بعد العسر يسرا. لذا يجب التأمل والتسبيح القلبي والفعلي، والتسليم بكل قوانين الله، مع محاولة التقرب إلى الله بكل الطرق والوسائل، حتى تطمئن نفسك وترتاح حتى تحس بحلاوة الإيمان. وقتها سيكون الإتصال بينك وبين الله دائم ومباشر.


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-