الراعي والرعية
{ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته}
حديث شهير عن الرسول عليه السلام {ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته} ، فالأمير الذي على الناس راع ، وهو مسؤول عن رعيته ، والرجل راع على أهل بيته ، وهو مسؤول عنهم ، والمرأة.....
متفق عليه.
لذا فمن سياق الحديث يبدو جليا يد السلطة والدولة في الحديث. وهو مدسوس لخدمة مصالح الدولة. فكلمة رعية في اللغة هي الماشية أو قطيع من المواشي. فأدخل عليها المفهوم الفقهي فأصبحت أيضاً تعني عامة الناس عليهم والي، أو البشر الذين يتبعون الزعيم.
ولا يليق أن تستعمل كلمة رعية على البشر. فالرعية شيء والرعاية شيء آخر. فالرعاية هي الإعتناء، بحيث توفر الأفضلية في المعاملة من جميع الجوانب الإجتماعية والإنسانية والمادية. لذلك نسمي دار رعاية الأطفال أو المسنين... يعني رعاية خاصة وإنسانية. لذلك أمقت إستعمال رعية كتعبير على البشر. والله لم يستعمل هذا المصطلح على البشر.
كما قال موسى عليه السلام في القرآن الكريم (هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ) صدق الله العظيم
يعني دائما الراعي يكون لديه عصا وكلب. لذا فالمجتمعات الإسلامية ترعى بالعصا والديكتاتورية والعقاب لأتفه الأسباب، وفعلا لديهم فيها مآرب أخرى. فهم طبقوا الآية بحذافيرها.
فالغنم لا يعبر عن رأيه بل يرضخ للراعي. ورعيتنا مثل الغنم وتغلب عليها سياسة القطيع. فهم يتبعون ما يعطى لهم برؤوس صاغرة. ويتبعون دون تفكير أو تمحيص، هم رعية بكل معنى الكلمة.
وكذلك الأب هو في البيت مثل الأسد لكي يخيف أولاده. فهو راع وليس مربي. والأم تخيف أولادها بإستمرار من الأب عندما يحضر. فهو اليد القاسية المخيفة حتى ينقاد الأولاد مع السمع والطاعة.
والأب خارج بيته يصبح من الرعية فيصبح دائم الخوف من السلطة، ومن رب عمله صاغرا. ولا يملرس سلطته إلا في بيته. فيصبح لدينا مجتمع فوضوي صاغر. كل يفرض سلطته على الأضعف منه. مبني على الديكتاتورية والطاعة العمياء.
لذا حتى في الدين نجد الرضوخ التام للتراث من دون تفكير، أو حتى محاولة تمرد. فهم رعية يعني قطيع. ينتظر أوامر راعيه. حتى وإن كان متعلما فلا يتعدى ما تعلمه، ولا يحق له التفكير فيما هو أبعد من ذلك. لذلك فالعصا هي التي تقنن مجتمعاتنا. وكلاب تنبح وتعض، كل من حاول الخروج من القطيع.
الفرق بين الماشية ورعيتنا. فراعي الأغنام يقود قطيعه إلى الأماكن المليئة بالكلأ. ويطعمها بالليل. ويحميها من الذئاب. ويوفر لها مكانا آمنا. أما رعيتنا فهي قابعة في الظلم. مأواها السجون إن سألت أو تمردت. لا يوفر لها مكان آمن يأويها وترتاح فيه. لا يوفر لها حتى القوت اليومي الذي يكفيها. لا يحميها الراعي من أي ظلم أو جور، سواء داخلي أو خارجي.
هي أمة تعيش في حظيرة كبيرة لا تستطيع الخروج منها. والذي يحرسها ليس راعي بل جلاد. أمة لم تحصل حتى على درجة رعية، بل لم تحصل حتى على درجة العبيد. فالعبد يوفر له الطعام والمكان والحماية من سيده. لذا فالسلطة هي المسيرة للدين، لتأطير الخرفان بقانون إلاهي محرف. راجين حياة أجمل بعد الموت. فالفقراء مأواهم الجنة. ويظنون أنهم يحسنون صنعا ناجين بفقرهم وعباداتهم. وهم ينهشون بعضهم بعضا لعدم قدرتهم على رعاتهم.
وصلاة الجمعة أو بالأحرى خطبة الجمعة تلقن فيها الرعية، وتخدر بأوامر السلطة لغسل عقولهم جيدا بكلاب الدولة. ولم يرق لي هذا التعبير فالكلب من شيمه الوفاء. هم كلاب لرعاتهم. فباعوا دينهم بدنياهم، ليكسبوا منه ثمنا قليلاً ما ربحت تجارتهم.
ولا توجد خطبة واحدة للرسول عليه السلام من غير خطبة الوداع. لماذا لم ينقلوها الرواة، الذين نقلوا لنا كيف يجامع الرسول نساءه بغسل واحد. ألم يكن الأجدى أن ينقلوا لنا خطبه. لسبب بسيط وهو لأنها لم تكن أصلا. فخطبة الجمعة صناعة سياسية لتبليغ خطاب الدولة إلى العامة. حتى يتم التبليغ والترهيب والتأطير بغلاف ديني.
فهل يمكن للأغنام أن تفكر يوما وتتمرد على راعيها؟
لذا فالأغنام إن تمردت فكيف لها أن تعرف الحقيقة وهي لم تفكر قط. كيف لها أن تعرف حقوقها. كيف لها أن تعرف أن ما وصل إليها مزور، ومن سيأطرها وهم طوائف كل طائفة أجهل من الأخرى. وقد تعودوا على العصا لتقنن تمرداتهم الطائفية.
معادلة لو إجتمع علماء الرياضيات كلهم لما إستطاعوا أن يحلوها. هي حصيلة قرون من الظلم والتعتيم والتخدير. إن تمردوا فهي حرب أهلية سيموت فيها الملايين، وبعدها سيقوم دكتاتور جديد، ويعود الحال إلى ما هو عليه. فالجهل ليس له علاج. فليتولى الله هذه الرعية برحمته.